التنكيت على كتاب " سجع الكُهّان " 2 - اعرف

 

التنكيت على كتاب " سجع الكُهّان "

 للإمام الإبراهيمي ..2

 قال كاهن الحي :

 


الفصــــــــــــــــــــل الأول :
التنكيت :

 

" لا أقسم بذات الحفيف، والجناح الخفيف، المشارفة في جوّها للكفيف وبالسر المودع في التجاويف والتلافيف، وبالمغيرات صبحًا عليها التجافيف، والمغيرين على الحق كالعاهر ابن العفيف . وبالسابغات والسوابغ من الدروع والجلابيب، وبالآخذين أمس من تلّ أبيب بالتلابيب، وبالبحر والسفينة، والحبر و"الدفينة" ، إن أبا الطيب المتنبي لمن موالينا، وممن تلقَّى الكهانة عن أوالينا، وإنه ما دُعي بالمتنبي إلا لأنه كان شاعرًا كاهنًا، ليناقض النبي الذي لم يكن كاهنًا ولا شاعرًا، وقد نُفِيا عن النبي مجتمعين، فثبتا في المتنبي مجتمعين، وإن كثيرًا من شعره كهانةٌ ملتفِّعة بالشعر، يُوطّيها في جُمل، ويغطِّيها بممدوح أو جمل؛ وستظهر أخباؤها، وتُعلم أنباؤها ... "

 

 

* وطّأ الكاهنُ لما يريدُ التلميحَ والإشارة إليه بما اعتادت عليه الكهان من الأسجاع المبدوءة بالأقسام ، ولا يُراد به هنا القَسَم المعروف في الشرع ، ولا يُتهم كاهن الحيّ أنه يُقسم بغير الله عزوجل أو أنه وقع في نوعِ من الشرك لحديث " من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك " لأن الحلِف الذي يراد به ههنا هو القَسمُ الذي يُفهم منه تعظيمَ المُقسَم به تعظيمَ من يجعله ندّا لله الذي خَلقنا ، وإنما هو محاكاةٌ للون الأدبي في مقالات الكهان يكون بمنزلةِ المقدمة الطللية في الشعر والمقدمة الغزلية والمطالع الخَمرية ..وأصحابها ممن لا يتهمون بفسق أو غواية أو سفه أو مجون لأن عذرهم قائمٌ في آخر سورة الشعراء ، أنهم في كلّ وادِِ يهيمون ، وأنهم يقولون ما لا يفعلون ..

 

وكذلك كاهن الحيّ ، استعمل هذه الأقسام في الأسجاع على طريقة الكهان لتكونَ له مولجا ومقدمةََ إلى المقصد الذي يريد الإشارة إليه ، واستعمل الأسلوب القرآني في القسم لا أقسم اقتباسا من القرآن وإشارة إلى أنه وإن استعمل طريق الكاهن إلا أنه كاهن مُسلم ليس له حظ من الكهانة إلا فَنّهم الذي فيه برَعوا ، وليس له من معانيها إلا الأسجاع المريبة الغريبة التي اخترعوا .. و لا أقسم هي أسلوب قرآني اختلف المفسرون في معناه اختلافا كثيرا على نحو من تسعة أقوال ، ولعل أقربها أن تكون لا صلة تفيد معنى التوكيد ليصير قسما مؤكدا ، والكاهن جعل هذا التوكيد ليبيّن الحقيقة التي يريد بيانها في جواب القسم في شأن أبي الطيب المتنبي !!

 

أقسم الكاهن بذات الحفيف ، وهي الحيّة الرقطاء التي لها صوت الحفيف حين تحك جلدها ، والجناح الخفيف الذي يحمل الطيور في الأجواء ، المشارفة أي تقترب في جوها من السماء التي هي كفيفة أي مكفوفة ، وبالأسرار التي أودعها الله تعالى في تجاويف الأشياء وبواطنها وفي تلافيف الدماغ وما يحيط به أو تلافيف النباتات ..وكأنه يشير إلى [ وفي أنفسكم أفلا تبصرون ]

 

ثمّ يُقسم مقتبسا من سورة العادايات بالمغيرات وهي الخيول التي تغير صبحا عليها التلافيف وهي ما يُجلل بها الفرس من سلاح وآلة تقيه من الجراحات ، ويقسم بالعفيف التلمساني وهو "عفيف الدين" سليمان بن علي بن عبد الله بن علي الكومي التلمساني (610 هـ - 690 هـ ) الشاعر الصوفي صاحب الشطحات والقائل بوحدة والوجود وشارح فصوص الحكم لابن عربي ،وذكره إشارة إلى ما خاضه الكاهن من حرب على التصوف الكاسد الفاسد الخاطئ الآثم .. وبالذين يأخذون تل أبيب بالتلابيب وهم اليهود الصهاينة الغاصبون المحتلون ، وبالحبر والسفينة والحَبر والدفينة ..والحبر هو عالِم اليهود وجمعه أحبار ، والدفينة هي طعام معروفٌ عند اليهود ..

 

* من خلال هذه الأقسام رسم لنا الكاهن صورةََ عمن يتكلم عنهم ويخطب عنهم ويسجع عنهم .. إنهم المسلمون الذين ابتعدوا عن الاعتقاد الصحيح وقد رمز لهم بابن العفيف التلمساني والذين يريدون الجهاد بالمغيرات صبحا عليها ما تجلل به لا الفرسان ، ثمّ اليهود الذين لببوا نل أبيب وفيهم الحبر والدفينة ..فما أحوالهم وأخبارهم ؟ جوابه هو جواب القسَم الذي أقسم به ..

 

وجوابُ القسم جعل له رمزا هو أبو الطيب المتنبي ، حيث اتخذ منه رمزا في الخلو من تصديق الدعاوى ، وضرب به مضرب المثل في الدعوى التي لا يصدقها الواقع ، لأنه كانَ متنبيا في عُرف عنه ولم يكن له حظ من النبوة ، لذلك جعله من جملةُ الكهان الكاذبين لا من جملة الأنبياء الصادقين فقال [ إن أبا الطيب المتنبي لمن موالينا، وممن تلقَّى الكهانة عن أوالينا ] ثم أتبعه بالمقابلة بين دعواه وبين النبوة الحقة فقال [ وإنه ما دُعي بالمتنبي إلا لأنه كان شاعرًا كاهنًا، ليناقض النبي الذي لم يكن كاهنًا ولا شاعرًا، وقد نُفِيا عن النبي مجتمعين، فثبتا في المتنبي مجتمعين ] ..

 

ثم بينَّ أن شعر أبي الطيب كهانة صادقة في كثير من الأحوال ، لأنه قال حكما يُفسرها الزمن ، وقال قصائد صارت مضرب المثل في أحوال الملوك والسياسات والدول والإمارات والناس والعبيد ، وليست قصائده قصائد مديح في جمل فقط ، وإنما أخبار عن المستقبل ستظهر بعد حين ، ويفسرها الزمن كل مرّة ، بل المرّة بعد المرة ، لهذا كان كاهنا شاعرا ..وللنظر إلى كون أبي الطيب كاهنا يفسر الزمن كهانته في قوله في هجاء كافور مثلا حيث يقول :

 

أكلما اغتال عبد السوء سيده ** أو خانه فله في مصر تمهيدُ

 

صار الخصي إمام الآبقين بها **فالحر مستعبد والعبد معبودُ

 

نامت نواطير مصر عن ثعالبها **فقد بشمن وما تفنى العناقيدُ

 

ولننظر إلى أحوال مصر ، ولنقل أكان أبو الطيبّ كاهنا يتنبأ ؟ لذلك استعمله كاهن الحيّ رمزا لدعوى النبوة وعريها عن الحقيقة ، ولتصديق شعر المتنبي لواقعنا في أحسن طريقة ..

التنكيت على كتاب " سجع الكُهّان " للإمام الإبراهيمي ..1

من هنا

https://www.e-3rf.com/2021/01/1.html

أحدث أقدم