الخيمة... قصة قصيرة - اعرف

 

الخيمة

قصة قصيرة

 

ياسر الششتاوي

 

لا يمتلك من الدنيا سوى خيمته، وبعض أغنام، ويعيش في صحراء شديدة القسوة، هكذا كان أبوه،وأجداده، ولا ينوي أن يغير مهنته، مهما كان فيها من قسوة، فهو لا يعرف غيرها، كم أنه كبر في السن ، ولا مجال لديه لتعلم مهنة أخرى، ولكن ابنه الذي يبلغ من العمر سبعة عشر عاماً، يشتاق إلى مهنة أخرى يشتاق أن يغادر الصحراء ، وأن يعيش في نعيم ورغد، كان متمرداً إلى أبعد حد على طريقة أبيه في الحياة وعيشة الصحراء!

 


على بعد من الخيمة كانت أمه تعد الطعام على موقد كي لا تقترب النار من الخيمة، فاستغل هذه الفرصة، وراح يشعل سيجارته داخل الخيمة، ومع كل نفس من سيجارته، وهو ينفث دخانها، يتخيل نفسه، وقد ترك الخيمة والأغنام، وأصبح من أهل المدينة، وتخلى عن حياته البدوية للأبد، كان يحلم، ولكن إرسال حلمه قد انقطع عند سمع أمه ترحب بمقدم أبيها، فقام مفزوعاً، ومن شدة الخوف من أبيه ألقى بالسيجارة في جانب من الخيمة، وراح يحارب الدخان كي يخرجه من الخيمة كي لايعرف أبوه أنه يدخن، وهذا الدخان من قريب كان يشاركه حلمه وأنفاسه!

 

خرج كي يساعد أباه في التحويط على الأغنام داخل الشبكة الكبيرة التي يعدونها لذلك، وما هي إلا دقائق حتى اشتعلت الخيمة من جراء سيجارته، فتعجب الأب أيما تعجب، كيف تصل النار إلى الخيمة وتشتعل وزوجته تعد الطعام بعيداً عنها، ولم يكن أمامه وقت للتفكير، أخذ كل ما لديهم من مخزون الماء ، وألقى به على الخيمة، وجلس حزيناً فقد الخيمة وفقد مخزون الماء الذي يكفيه ليومين وهذا هو الأهم، ولم يعد أمامه سوى أن يعاقب ابنه على ما فعل من جريمة بعد أن أصبح الأمر واضحاً جلياً، نعم كان يرى ما فعل ابنه جريمة، فلم يفعلها أحد في العائلة، ويدخن سيجارة!

 

ضربه أبوه ضرباً مبرحاً، وأمره أن يأخذ الناقة، ويذهب كي يحضر عليها بعض الماء عوضاً عما فقدوه في إطفاء الحريق، ولكنه بعد هذا الضرب المبرح، قرر أن يترك أبوه، ويترك الصحراء، ويشق طريقه الذي يتمناه، ويحلم به، وأن يعود لأبيه بما يشرح صدره، ويجعله يفتخر به أمام القبيلة كله، باع الناقة، ولم يعد بالماء، وذهب إلى المدينة، واشترى بعض البضاعة، وراح يعمل كبائع متجول، وراح يربح ويربح، حتى اشترى محلاً، وأصبح من أكبر التجار في منطقته، وبعد خمس سنوات حقق ما كان يحلم به، وفكر أن يذهب لأبيه، ولكنه لن يعود له على الناقة التي سرقها منه، بل عاد له على سيارة فخمة، بهت أبوه عندما رآه، وراح يحتضنه هو وأمه، وهما يبكيان، ثم تذكر الأب ما فعله، فصفعه على وجهه بمحبة هذه المرة، وعاتبه على أنه لم يعد بالماء ولا بالناقة، فقبل يديه، ووعده أنه من الصبح سوف ينشيء له بئراً يشرب منه كيف يشاء، بل يزرع من مائه ما شاء من الأرض الزراعية بدلاً من رعي الأغنام الذي أصبح لا يليق بسنه ولا بصحته، سوف ينشيء له بيتاً من الخرسانة بدلاً من الخيمة التي يعيش بها، وهذا بعد أن عرض عليه أن يذهب ويعيش معه في المدينة، ولكنه رفض، وقال له لقد ولدت بدوياً سوف أموت بدوياً، ثم قبل ابنه واحتضنه، وقال له: رغم كل ما فعلت إلا أنني فخور بك وسعيد، وأسأل الله أن يوفقك في القادم من حياتك!

 

ثم مازحه:

 

ـ ولكن لاتسرقني مرة أخرى.

 

فرد عليه المزحة بمزحة:

 

ـ إن الأبناء لا يستغنون عن سرقة آباءهم!

 

بقلم : ياسر الششتاوي

Neuere Ältere