___(اللغة والهوية الثقافية فى أفريقيا)___
حامد حبيب
تُعَد قارة أفريقيا من القارات الغنية باللغات المحلية
التى تتراوح مابين 700_2000 لغة أو أكثر.
وكل لغة منها تُمثِّل ثروة ثقافية بما تحمله من
رؤية
فلسفية،ومعرفة بالعالم.إلاً أن هذه الثروة
الثقافية
تتهدًدها مخاطر كبيرة فى ظل الظروف العالمية
المعاصرة،حيث أن موجة العولمة تكتسح فى طريقها جميع الثقافات المحلية الضعيفة
والهشَّة
لتحل محلها الثقافة الغربية أو الأمريكية،من حيث
زحف اللغات الأوربية على أرجاء القارة،فيقضى هذا
الزحف على كل اللغات المحلية.وساعد على ذلك وجود
جذور لهذه اللغات الأوربية فى القارة الأفريقية خلفها الاستعمار قبل رحيله،فتغلغلت
هذه
اللغات فى أوصال القارة واستُخدمَت كلغة رسمية
لبعض الدول الأفريقية،وكلُغات للتعليم فى البعض
الآخر.وبموت تلك اللغات الأفريقية واندثارها فقدنا
جزءاً لايُعَوَّض من معرفتنا وإدراكنا للتفكير
الإنسانى
واتخاذ لغة أخرى يمثل رؤية العالم بعيون غريبة
وعقلية مغايرة.
_ولنعلم أن للنفوذ السياسي والوضع الاقتصادي
والثقافى عوامل ذات أهمية كبيرة فى مجال انقراض
اللغات وموتها.
_
فالنفوذ السياسى يُعَد عاملاً هاماً فى انتشار
لغة على حساب لغة أخرى،عن طريق الضغط والقهر والاستعمار.
_وبالنسبة للوضع الإقتصادى،فالجماعة الأقوى
إقتصادياً وأكثر تقدُّماً من الجماعة اللغوية الأولى..
يجعل الجماعة الأضعف لغوياً تتعلم لغة الأقوى
لتحقيق منافع اقتصادية وفوائد مالية والحصول على
وظائف وخدمات وسلع،فيفقدون احترامهم للغتهم شيئاً فشيئاً ،وهو مايؤدى لتدهورها.
_أما بالنسبة للوضع الثقافي،فهو الأكثر خطورة
على مصير وطبيعة اللغة ،فأصحاب اللغة الأقوى ثقافياً وحضارياً،لديهم لغة مكتوبة
ذات تراث أدبى ثرى
وتاريخ مُدَوَّن ،وهؤلاء الأفارقة لديهم لغة غير
مكتوبة ،أو غير مؤثرة،فيتم الاقتباس الجزئى أوالكلى لكثير من ثقافة أصحاب اللغة
القوية،وفى أثناء تلك العملية يفقد الأفارقة الكثير من عناصر ثقافتهم
التقليدية..ويصل التأثُّر لحد التقليد التام الذى تضيع فيه ملامح الجماعة اللغوية
الأضعف وخصائصها ذات الجذور العميقة،فلا تعكس رؤية متكلميها الأصليين ولاثقافتهم
الحقيقية.
=فهذه العوامل متواجدة بشكل كبير على الساحة
الأفريقية،تمثل أصعب التحديات التى تؤدى إلى تصادم لغوى ضد اللغات الأوربية
الدخيلة.
=وفى معرض كتابته عن الحرب البيولوجية القادمة
قال د.ياسر عبد العزيز فى جريدة الوطن فى (١٠_
أبريل ٢٠١٧م):"وكما بات الضعفاء مُستلبين
لثقافة الأقوى والأذكى والأعلى فى عالم "التطور اللامتكافئ"فإنهم قد
يصبحون أيضاً مستلبين لتركيبه الجينى وصورته البيولوجية والذهنية،وهو
أمرٌ خطير،لم تدركه أسوأ كوابيسنا على مدى آلاف
السنين".
______________
اللغة هى الهوية..هى حاملة الإرث الحضاري..الفكر
والتاريخ..الملامح.التفريط بشأنها كمن فرَّط فى ممتلكاته ليعمل أجيراً براتب أعلى
عند الغير،فلابقى عنده مايملكه،ولاضمن دوام عمله.سلب نفسه بنفسه
كل ماكان يحفظ له كينونته،فصار حائراً ،لاهو إلى
هذا ولا إلى ذاك..ذلك ماكان يبتغيه المستعمر....
وتحقّقَ له ما يريد،بمساعدتنا
..برغبتنا.تخلَّينا عن ملامحنا ولبسنا أرديةً ووجوهَ مستعارة،فلانحن عرب
ولاغرب..بين بين ،فإلى أى جهة ننتمى؟
_إلى لاشئ!
___(حامد حبيب) ...مصر ٢٥_٣_٢٠٢١م
لا تتردد اترك تعليقا أو استفسارا أو شاركنا رأيك
إرسال تعليق