#في_ظِلال_رمضان ..05
سورة الحجرات / آفات اللسان ..
إذا تأملنا في آفات اللسان وجدناها متفاوتة المراتب ، على حسب خطورتها وما تحدثه من مفاسد ، فأعلى آفات اللسان خطرا ما كان قادحا في الأدب مع الله تعالى ، ثم ما كانَ قادحا في الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم ما كان قادحا في الأخوّة بين المؤمنين ، وما يقدح في الأخوّة منه ما يأتي من جهة النقل ، ومنه ما يأتي من جهة من القول ..
وقد جاءت
سورة الحجرات لتعالج كلّ آفات اللسان هذه ، فنهى الله تعالى عن التقدم بين يدي
الله تعالى ، بالقول على الله تعالى بغير علم وبغير حقِِّ وهي من أعظم الآفات التي
تأتي على ديانة المسلم بالحَلق ، ثمّ التقدم بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم
بالقول بين يديه حضورا ، ومثله التقدم بين يدي سنته بعد وفاته بالأهواء والآراء
وسوء الأدب مع الحديث روايةََ ولفظا ونطقا وسماعا وأداء ، ونهى الله تعالى عن آفةِ
اللسان في نداء النبي صلى الله عليه وسلم برفع الصوت والجهر ، وجعل الله تعالى ذلك
دليلا على قلة العقل " إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون
" .. فكل من رفع صوته في موضع ليس موضعَ رفع الصوت دلَّ على ضعف عقله ،
ومن هذا الباب رفع الصوت بحضرة حديث النبي
صلى الله عليه وسلم وسنته حال التحديث والرواية والدراية والجدل ونحو ذلك ..
وجاءت آفات
اللسان المتعلقة بالمؤمنين من جهة النقل ، وقد سار في أمثال العرب " وما آفة
الأخبار إلا رواتها " فأمر الله تعالى بالتثبت في نقل الأخبار ، لئلا يؤدي
اللسان بآفاته إلى أن يصيب قوما بجهالةِِ
فيصبح من النادمين على ذلك ، وكذلك نقل الكلام على جهة الإفساد والنميمة بين الناس
مما قد يؤدي إلى الإفساد والفتنة والقتال بين الناس ، كما قال نصر بن سيار :
فإن النار بالعودين تُذكى وإن الحرب مبدؤها
كلامُ
فإن لم
يطفها عقلاء قوم يكون وقودها جثث وهامُ
لذلك قررت
السورة الأخوّة الإيمانية القاضية بحفظ عرى المحبة وعدم الإفساد والنميمة المؤدية
إلى الحرب " إنما المومنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم .." " وإن
طائفتان من المومنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما .." والإصلاح باللسان والفعل ،
وبمفهومه النهي عن الإفساد بالنمائم ..
وجاءت
السورة لتعالج آفات اللسان المتعلقة بالقول ، والمفضية إلى إفساد عرى الأخوة التي
قررتها السورة " إنما المومنون إخوة " فنهى الله تعالى عن السخرية
والهمز واللمز والتنابز بالألقاب والتفاخر ، ونهى عن الغيبة التي شبّهها بصورة مَن
يأكل لحم أخيه ميتا ، وكفى بها صورة تبين قُبح هذه الآفة الصادرة عن جارحة اللسان
..كما أن سوء الظن عمل القلب فإن أثره يظهر على اللسان في جمع من الآفات التي قد
يحدثها ، من تهمة باطلة أو قذف أو تكذيبِِ أو سبّ .. ونحوها من الآفات التي ينتجها
سوء الظن ..
فكأن هذه
السورة عاجلت جميعَ آفات اللسان التي قد تهلكه ، وهل يكب الناسَ في النار إلا
حصائدُ ألسنتهم ؟ اللهم إنا نسألك حسن القول وحسن العمل والسلامة من كل إثم ..
أبو المعالي
الظاهري
لا تتردد اترك تعليقا أو استفسارا أو شاركنا رأيك
إرسال تعليق