سورة القصص / ضعف النفس البشرية .. - اعرف

#في_ظِلال_رمضان ..03

سورة القصص / ضعف النفس البشرية ..

أبو المعالي الظاهري

 


  عندما نتأمل في سورة القصص نجد أنواعا من الضعف البشري الذي يعتري المرء ، فيحمله على القصور عن الكمال في بعض الأحوال ، أو يدفعه إلى الخروج عن منهاج الحق وصراط الله تعالى ،  وقد جاءت في سورة القصص عدة أنواعِِ من الفتن التي تظهر في أحوال من ذكروا في القصص ، فقد جاءت الفتنة في الدين عند بني إسرائيل وفتنة فرعون الله إذ علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفةََ منهم ، يذبّح أبناءهم ويستحيي نساءهم ، وجاءت فتنة المُلك والسلطان التي جعلت فرعون يكفر كفرا يدعي به الألوهية ، وجاءت فتنة الجاه التي جعلت هامان يستطيل بجاهه ووزارته على الخلق ويبني لفرعون صرحا يهوي به  ، وجاءت فتنة المال التي أطغتْ فرعونَ وأعمته حتى صار المالً هو ربّه ووليه وناصره ، وجاءت فتنة الدنيا والنفس التي جعلت العرب من قريش يقولون إن نتبع الهدى نتخطّف من أرض الحَرَم ، وهذه الخمسة هي أصول الفتن التي تحصل في دار البلاء ، ولعلّ هذا أحد أوجه مجيء الحديث عن الفتن بعد سورة القصص في افتتاح سورة العنكبوت بعدها ..

ووراء هذه الفتن التي جاءت في السورة أنواعٌ من الضعف البشري الذي تُبديه النفس الانسانية ، فمن أول ما جاء من الضعف الطبيعي الذي تميله أحوال الخوف والكرب أن يُصبحَ فؤادُ أم موسى فارغا ، وهي حال ضعف طبيعية ، ولكن الله تعالى أعانها عليها لتكون بذلك دلالة على التثبيت من الله تعالى زمن البلاء والفتنة والكرب ، وقد يكونُ الضعف البشري الطبيعي حالَ الخوف على النفس ناتجا عن القوة الغضبية الدافعة إلى الانتصار للحق فينتج عن الضعف الخطأ .. وذلك عندما استغاث موسى عليه السلام من هو من شيعته على الذي من عدوه فوكزه موسى فقضى عليه ، ثم تبيّن له أن حالُ ضعف لا حال قوة " قال إنه من عمل الشيطان .." وجاء الضعف الفطري البشري للرجل أمام المرأة ،  على وجه الإشارة في قصة موسى مع المرأتين ، حيث احترز واحتاط وسقى لهما ثم تولى إلى الظل ، لما يُعلم من أنّ الإنسان خُلق ضعيفا " وخلق الانسانُ ضعيفا .." 

ولكن هناك وجه آخر للضعف المنبثق من النفس البشرية تجاوز الحد الطبيعي إلى الطغيان والتجبر الذي ظهر في ضعف فرعون إلى درجة هوان عقله وضعفه إذ ادعى الألوهية من دون الله وجرّ على الناس الفتن ، وسبب هذا الضعف هو ضعف الإنسان أمام فتنة السلطان ، التي تجعل من هو في ذلك المقام يرى في نفسه بعض خصائص الألوهية ، وهذا من ضعف عقله ونفسه أمام فتنة السلطان ، وإذا كان ضعف الإنسان  أيضا أمام فتنة المال أو الجاه صارَ حاله كحالِ قارون الذي زعم أنه أوتي ما أوتيه على علم عنده ..

وهناك من الضعف ما يكونُ مُسبِّبا للفتنة والكفر ، بالنظر إلى ضعف اليقين الذي أنتجه ضعف النفس أمامَ الدنيا وأهلِها ، فقد قالت قريش " إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا .." فزعموا أن إيمانهم يؤدي إلى هلاك بيضتهم باجتماع العرب عليهم وحربِهم ، وهذا من ضعف اليقين بالله وضعف النفس أمام الدنيا وأهلها ، وضعف النظر العقلي الذي نبههم الله إليه : أولم نمكن لهم حرما آمنا تجبى إليه ثمرات كل شيء .."  .. وصلة هذا الضعف البشري ظاهر في وجود الفتن والوقوع فيها ..وربما يكون هذا الضعف من جهة أخرى لأهل الإيمان والتقوى بابا من أبوابِ اللطف الخفي الذي يظهر أثره من حيث لا يشعر الإنسان ، كما رد الله على أم موسى ولدها وقد فرغ قلبها ، و زوج الله موسى عليه السلام بالمرأة سقى لها وتولى إلى الظل ، وقتلَ موسى عليه السلام الرجلَ فكان ذلك سببا في خروجه وتكليم الله له جانبَ الطور .. ولله في خلقه أسرار ..


أحدث أقدم