سورة الكهف / الصدع بالحق .. - اعرف

#في_ظِلال_رمضان ..04

سورة الكهف / الصدع بالحق ..

أبو المعالي الظاهري


جاءَ الصدع ُ بالحق في سورة الكهف على عدة صور تبينُ لمن تأملها  ..

* فقد جاءَ الصدع بالحقّ من المستضعف أمام ذي السلطة المشرك الظالم ، ويظهر ذلك في شأن الفتية أهل الكهف ، فهم شباب لا يملكون إلا أنفسهم ، ومع ذلك قاموا فقالوا ربنا رب السموات والأرض لن ندعو من دونه إلها ، فربطَ الله تعالى على قلوبهم واعتزلوا المشركين وما يعبدون من دون الله وفاءوا إلى لطف الله تعالى في الكهف .. وهذا يُعلّمنا أن كلّ من صدعَ بالحق فإنّه في عناية الله تعالى ولطفه وإن كان ظاهر أمره أنه لا يأمن على نفسه الهلاك ..

* وجاء الصدع بالحقِّ في مقامِ المجادلة والمحاورة والمناظرة لمن كفرَ أو أشركَ أو ألحد ، فقد قصَّ الله تعالى علينا خبر صاحب الجنتين ، وكيف أنَ المؤمن وعظه رغم أنه صاحبه  ، والصحبة مدعاة المداراة ، ورغم أنّه أكثر منه مالا وأعز نفرا ، والمال والجاه يدعوان إلى المداهنة ، ومع ذلك لم يداره لصحبته ولم يداهنه لأجل ماله وجاهه كما يفعل كثير من الناس الذين يستكون عن الحق بسبب الصحبة والمال والجاه .. وإنما صدع أمامه مجادلا مصرحا له أنه كفَر بالله تعالى ، فكانت العاقبة إلى لطف الله وعنايته به ..

* وجاء الصدع بالحق في مقام التعليم والتعلم ، وذلك في قصة موسى عليه السلام والخضر عليه السلام ، فقد كان موسى في مقام التعلم ومع ذلك صدع بما يراه الحقّ في إنكار ما ظاهره المنكر من خرق السفينة وقتل الغلام ونقض الجدار ، ولم تمنعه هيبة المعلم من إنكار ما ظاهره المنكر ، وهذا إرشاد لنا بعظيم الغلو في تعظيم المعلمين والشيوخ تعظيما يخرج عن حدّ الشرع .. وصدعَ المعلّمُ بالحق أمام المتعلم موسى عليه السلام ببيان ما خفي ، والفراق له إيفاءََ بالشرط الذي كان بينهما ، وهكذا ينبغي بالمعلم الحزم مع تلاميذه بالصدع بالشروط والوقوف عليها وعندها ..

* وجاء الصدع بالحق في أبهى صوره ، وهو الوقوف سدا منيعا أما الفساد والمفسدين بالقول والفعل ، وذلك فيما أخبرنا الله عنه في خبر ذي القرنين مع يأجوج ومأجوج ، فقد قال القوم عنهم صدعا بما هم عليه " إن ياجوج وماجوج مفسدون في الارض .." فقابله ذو السلطان ذو القرنين بصدعِِ بالفعل فجعل لهم ردما ، وهكذا ينبغي لكل من ملك القوة على الإنكار بالفعل فذاك أوجب ..

* وبهذا تقابلت أول السورة مع آخرها في الصدع بالحق حالَ الاستضعاف ، ثم في حال القوة من ذي السلطان  فكلها مآلها إلى لطف الله وعنايته بالعباد ، وتقابلت صورة الصدع بالحق حال المجادلة وفي حال التعليم لئلا يلتبس البيان مع ما قد يُظن أنه حكمةُُ ورجاحةُ وليس كذلك .. والأمر كله راجع إلى قواعد الفقه والشرع ومعرفة مراتب ومنازل الصدع بالحق ومقامات وفقه الإنكار والمجادلة والتعليم والدعوة .. والله ربنا أعلم ..

أبو المعالي الظاهري


أحدث أقدم