فى رحاب الإسلام)____"٤"
"""""""""""""""""""""""
_دور الثقافة فى تكوين الإنسان_
!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
لايولَدُ المرءُ عالِماً ،بل يخرج إلى الوجود
خالى الصحيفة،ثم بالتدريج يستغلُّ حَواسَه فى الاتّصال بما حوله ،ويستغلُّ عقله
للإفادة من تجاربه وتجارب الآخرين.
فهو على مر الزمن _بعد
أن كان طفلاً_يأخذ طريقَه
إلى النّماءِ البدنى
والارتقاء الفكرى حتى يبلُغَ أشُدّه.
قال تعالى:"واللهُ
أَخرجَكُم من بُطونِ أُمّهاتِكُم لاتعلمونَ شيئاً وجعلَ لكُمُ السَّمعَ والأبصارَ
والأفئدةَ لعلَّكُم تشكرون".
والإسلامُ يُوثِّقُ
العلاقة بين الإنسان والكون ،ويشُد حواسَه وبصيرتَه لأسرار وقوانين هذا العالَم
،حتى لايعيشَ جاهلاً به.
والقرآنُ الكريم يلفتُ
نظرَ الإنسان إلى ماحولِه ،كى يعرف خصائصَه وعجائبَه ،ومعرفَة مَن صاغَه
وأبدعَه،لذا تُعَدُّ البلادةُ الفكريّةُ رزيلةٌ نفسيَّةٌ ،قد تكون أخطرُ من بعض المعاصى
الشائنة.
والإيمانُ يأتى من أثر
اشتباك الإنسان مع الحياةِ والأحياء،ونظراتِه الدائبة الفاحصة لإدراك كلِّ
شئ،والإحاطة بما وراء كل شئ.
ومن هنا كان العلم
والدينُ متلازمَين.
فما الميزةُ التى جعلت
كفّةَ آدمَ تُرجَّح على غيره،وجعلت الملائكةَ تشعرُ بتفوّقه؟
لأنه عرف أسماءَ كلَّ
شئ،وأنّ له عقلاً يُدركُ به ماحوله من مخلوقات الله.
وأساسُ الثقافةِ
الإنسانية،معرفةُ الكونِ والحياة،
وهذه المعرفةُ هى
وسيلةٌ إلى معرفةٍ أعظم،هى معرفةُ خالقِ الكَون والحياة،ورب كل شئٍ ومليكه.
والعلمُ الذى يُقبلُ
المسلم عليه ،ويسعى فى طلبه من أقصى المشارق والمغارب،ليس علماً مُعيّناً أو
محدوداً
بل كل علم يوثِّقُ صلةَ
الإنسان بالوجود،ويتيحُ له
السيادةَ فى العالم
والتحكُّم فى قواه،والإفادةَ من ذخائرِهِ المكنونة.
وشجّع الإسلام على
ذلك،حيث قال(صلى الله عليه وسلم):"من سلكَ طريقاً يلتمسُ فيه علماً ،سهَّلَ
اللهُ به طريقاً إلى الجنّة"توثيقٌ لربط العلم بالدين.
فليس العلمُ المحمودُ
في الإسلام،هو دراسةُ الفقه
والتفسير،وغيره من علوم
الدين فحسب،بل للإسلام
نظرةٌ أوسع وأشمل،حيث
أنَّ نتائجَ البحثِ المتواصلِ
فى ملكوتِ السماءِ
والأرض لاتقِلُّ أهميّةً عن علوم الدين المحضة،بل قد يرتبطُ بها من النتائج مايجعل
معرفتها أولى بالتقديم
من الاستبحار فى علوم الشريعة.
ونصوص القرآن
والسُّنَنُ المأثورة عن صاحب الرسالة
مُحَمَّد(صلى الله عليه
وسلم) تُشكِّلُ مادّةً علميّةً تتّصلُ بفروعِ الثقافةِ الإنسانيةِ كلِّها .
فالثقافة ُ الإسلامية
واسعةُ الدائرة،تضُمُّ إلى جانب دراسة العقائد والعبادات،دراساتٌ أخرى فى كافة
فروع العلم.
ولايحجر الإسلام على
العالِم ،أن يدرسَ مايشاء
ولكن على أُسس ذكرناها
من قبل،تصل الإنسان بخالقه ،لا أن تفصله عن مُبدع الإنسان وخالق كل شيء.
وللأسف أنَّ معارفَ إلحاديّة
روّجها الحِسّيِّون من عُبَّاد المادّة الذين لا يؤمنون إلا بما يرونَ ويلمسون
قد انتشرت فى أقطارٍ
وحكوماتٍ ،فربّوا أطفالَهم
وشبابَهم على الكُفر
والمروق من أواصر الدين ووحى السماء،بدلاً من أن يعودوا لحقيقة الإيمان.
إذ يستحيلُ أن يكون فى
المعارف الكونيّةِ مايُخالف العلوم الدينية.والثقافةُ الصحيحة هى التى تجمعُ بين
الفكر العقلى والوحى الدينى ،وهذا مما يحفظ للحياة توازنها .
لذا نجد (چورچ هربرت
بلونت)_أستاذ الفيزياء التطبيقية بجامعة كاليفورنيا_يقول:"وأما الأدلّةُ التى
يتّجه إليها تفكيرى،تُعتبَر من النوع الذى يبحث عن حكمة الخالق فيما خلق...ولايمكن
أنَّ هذا النظام قد نشأ من تلقاء نفسه من العدم أوالفوضى،وعلى ذلك فإنَّ الإنسان
المُفَكّر لابُدَّ أن يصِل ويُسَلّم بوجود إله مُنظّم لهذا الكون،وعندئذٍ تصيرُ
فكرة الألوهية إحدى بديهيات الحياة.."...مجرّد عالمٌ من العلماء أهداه العلم
إلى الحقيقة بوجود إله مُنظّم لهذا الكون .
وإذا عُدنا إلى الثقافة
الإسلامية المعاصرة نجدها تحتاجُ إلى كثيرٍ من التأمّل فيما أصابها.
_فقد انفصلت الدعوة
الإسلامية عن الدول الإسلامية من زمن مُبكّر ،وتولّت شئون المسلمين حكوماتٌ تربطها
بالإسلام خيوطٌ واهية،وأغلبهم
يحترفون الحكم شهوة ً
للسلطة ورغبةً فى الثروة.
_ولم يُقَرّب هؤلاء
الحُكّام إلاّ علماء ضعاف،وأما الراسخين فى العلم،فتركوهم لضرّاء الحياة،وكم فى
تراب التاريخ أئمّةٌ دُفِنَت ذخائرُهم ،وحُرم الناسُ من الانتفاعِ بهم إلا قليلا.
_فحظُّ العلماء النابغين
لايزال تاعساّ،وسرعان ماتُطوى آثارهم الأدبيّة فى حياتهم أو فى أعقاب وفاتهم.وأنّ
صونَهم فى معايشهم وذراريهم،لايهتم به أحدٌ من المسئولين فى الحكومات،بينما الذين
يقدّمون للناس الغناء واللهو والرقص ،فتكريمهم أحياءً وأمواتاً من الأمور
المُوجَبة.
_وكما يقول الشاعر:
إذا ورَّثَ الجُهَّالُ
أبناءهم غِنىً
وجاهاً فما أشقى
بنى العُلماء
_وكما قال الإمامُ
الشافعى(رحمه الله):
مَن رُزِقَ
الحِجا حُرِم الغِنى
ضدّان مفترقانِ
أىّ تفرُّقِ
ومن الدليل
على القضاء وحُكمِه
بُؤسُ اللبيبِ وطيبُ
عيشِ الأحمقِ
_حياةٌ كريمةٌ للعلماءِ
..هُم أولى الناس بها
إذا فتحنا الباب
للعلماء فتحنا الباب لنهضتنا الحقيقية ،فليس للأمة سبيلٌ لنهضة حقيقية إلاّ بالعلم
..وثقافةٌ حقيقية تؤدى دورها على أكمل وجه.
__(حامد حبيب). مصر
١٧-٤-٢٠٢١م
لا تتردد اترك تعليقا أو استفسارا أو شاركنا رأيك
Kommentar veröffentlichen