التنكيت على خالية الأمير ..01
التنكيت على خالية الأمير ..01
قال الأمير رحمه الله :
خليليَّ وافت منكم ذات
خلخال
تتيه على شمس الظهيرة
بالخالِ
التنكيت :
استهل الشاعر قصيدته
على طريقة العرب وسننها في تخيل وجود خليلين يخاطبهما ويبث لهما اللواعج ، ويصف
لهما الحال ، ويبدي لهما كشفَ ما هو مستور من المكنونات في القلب ، وهي طريقة
معروفة عند العرب كقول أبي طالب في مطلع اللامية :
خَليلَيَّ ما أُذني
لِأَوَّلِ عاذِلِ
بِصَغواءَ في حَقٍّ
وَلا عِندَ باطِلِ
وقول النابغة الجعدي :
خَلِيليّ غُضّا ساعَةً
وَتَهَجَّرا..
وَلُوما عَلى ما
أَحدَثَ الدَهرُ أَو ذَرا
وفيما ينسب إلى علي بن
أبي طالب :
خَليلَيَّ لا وَاللَهِ
ما مِن مُلِمَّةٍ
تَدومُ عَلى حَيٍّ
وَإِن هِيَ جَلَّتِ
وقول عروة بن حزام :
خَليليَّ من عُليا
هلالِ بنِ عامرٍ
بِصَنْعاءَ عوجا اليومَ
وانتظراني
و قول كُثيّر عزّة :
خليلي هذا ربع عزة
فاعقلا
قلوصيكما ثم ايكيا حيث
حلتِ
وقول جميل :
خَليلَيَّ إِن قالَت
بُثَينَةُ ما لَهُ..
أَتانا بِلا وَعدٍ
فَقولا لَها
وقول ذي الرمة :
خَليلَيَّ عوجا مِن
صُدورِ الرَواحِلِ
بِجُمهورِ حُزوى
فَاِبكِيا في المَنازِلِ
وقول بشار بن برد :
خَليلَيَّ مِن كَعبٍ
أَعينا أَخاكُما
عَلى دَهرِهِ إِنَّ
الكَريمَ مُعينُ
وقول أبي زيد القرطبي :
خَليلَيَّ عوجا
بالمُحصَّبِ وانزلا
وَلا تَبغيا عَن
خَيفِهِ مُتَحَوَّلا
وقول الشريف الرضي :
خَليليَّ أَلّا عُجتُما
بالقلائص
على حائرٍ في عَرْصَةِ
الدَّار شاخِصِ
وقول بهاء الدين زهير :
خَليلَيَّ مَن أَشتاقُ
في البُعدِ مِنكُما
فَلو كانَ شَوقاً
واحِداً لَكَفاني
خَليلَيَّ وَجدي
كَالَّذي قَد عَلِمتُما
فَهَل مِثلَ وَجدي
أَنتُما تَجِدانِ
خَليلَيَّ قَد
أَبصَرتُما وَسَمِعتُما
فَهَل لِيَ في أَهلِ
المَحَبَّةِ مِن ثانِ
ومطالع الشعراء في هذا
المبنى كثيرة جدا ، ولعل المعنى الذي أرادوه هو ما ألمح إليه الشيخ البشير
الإبراهيمي عندما قال في المقامة الباديسية : ولقد أقول على عادة الشعراء-وما أنا
بشاعر-لصاحبين من تصوير الخيال أو من تكييف الخَبال، تُمثِّلهما الخواطر تمثيلَ
صفاء، وتقيمهما في ذهني تمثالَ وفاء: بكِّرا صاحبي فالنجاح في التبكير .. فتصوير
الشعراء للخليلين هو من وحي الخيال وتصويره الذي يبعثه إليهم صفاء الروح في إنشاد
المحبة والخلة التي هي أعلى درجاتها .. ولها وجه ثانِِ هو معنى الوفاء المطلوب بين
إخوان الصفاء والخلّان في الوقوف على الديار معا والمشاركة في الهموم معا ..
- وافت منكمُ ذات خلخال
.. وصلت إليكم ذات خلخال ، وهو أداة الزينة المعروفة ، وذكر الشعراء له قصد بيِّن
إذ الشعراء من أنفذ الناس في أغوار النفوس ، لهذا يعرفون أثر الخلخال في قلوب
الرجال ، ويعلمون أنه علامةُ أنوثة المرأة أنوثةََ نقية صرفة نقية ، وإنه ليعبث
بالقلوب وتتعثر باهتزازه الألباب أيامَ كانت النساء نساء والرجال رجالا ..
فشبه قصيدةَ صاحبه في
فعلها بنفسه ما يفعله الخلخال في نفس الرجل ولبه ، وشبه القصيدة بالمرأة البضّة
المترفة ناعمة الحال ميسوره ، لأنها ذات خلخال ، إشارة إلى غنى القصيدة بالبديع
وجمالها وحسنها ..
- تتيه على شمس الظهيرة
بالخال : أي تفضلُ وتفخر على شمس الظهيرة بالخال ، وهو أولُ الأخوال بالقصيدة
والمعنى هو النكتة السوداء في الجسد، ويجمع على خيلان، ورجل أخيل كثير الخيلان،
وكذلك مخيل ومخيول، مثل مكيل ومكيول، ويقال أيضاً: مخول، مثل مقول، وتصغير الخال
خييل، عند من قال: مخيل، ومخيول وخويل عند من قال: مخول..
قال الصفدي رحمه الله
في كشف الحال ص 7 : وأحسن الخيلان ما زان الوجه، وأحسن ما في الوجه مكان البلج بين
الحاجبين وهو قليل، والخدود. وأحسن ما في الخدود الخد الأيمن صحنه، وهو وسطه، وما
كان في وسط الحنك، وما دار حول الفم، وأحسنه ما كان في وسط الشفة العليا، ثم ما
كان في الأصداغ، ثم ما كان في صفحة العنق، ثم ما كان في الصدر، في مجال القلائد،
ثم ما كان قريباً من السرة، وما كان على ظاهر الكف، ثم على الساعد، وأحسنه ما كان
في الجانب الأيسر، ثم في الجانب الوحشي، ثم ما كان على الأرداف، ثم ما كان على
الأفخاذ، ثم ما كان في بطون الساقات، ثم ما كان على ظاهر القدم في وسطه..
..يُتبع ..
أبو المعالي الظاهري
كتاب التكيت على خالية الأمير كاملا من هنا
لا تتردد اترك تعليقا أو استفسارا أو شاركنا رأيك
إرسال تعليق